في غمار البحث عن حلول مستدامة لأزمات المناخ، تظل للهيدروجين الأخضر مكانته المتميزة في إبطاء معدلات انبعاث الكربون والإسراع بالوصول لهدف الحياد المناخي العالمي لخط الأساس 2050. ذلك أن هذا النوع من الطاقة المتجددة لديه من المزايا الاقتصادية الظاهرة والكامنة ما يجعله أكثر تنافسية مقارنة بباقي أنواع الطاقة النظيفة.

ومعلوم أن المزايا التي يتمتع بها الهيدروجين الأخضر تتحقق لثلاثة أسباب، أولها أنه يمثل رافعة قوية لبقية مصادر الطاقة المتجددة، كنتيجة مباشرة لإسهامه في ترقية إمكاناتها الإنتاجية وجدواها الاقتصادية. وثاني هذه الأسباب أنه يتوافق فنيّاً مع التطبيقات التكنولوجية القائمة، كونه قريب الشبه بالاستخدامات الحالية للغاز الطبيعي في الأنشطة الإنتاجية المتنوعة، وبالأخص تطبيقات النقل المستدام.

أما ثالث هذه الأسباب وأكثرها تأثيراً على مستقبل الهيدروجين الأخضر في سوق الطاقة العالمي، فهو أن تقنيات تبريده تجعله قابلاً للمتاجرة به دوليّاً، شأنه في ذلك شأن باقي مصادر الطاقة الأحفورية. بيد أن السبب الأخير، على ما به من أهمية، فإنه في الوقت ذاتِه لا يخلو من عيوب تفقده بعض فعاليته في سوق الهيدروجين الأخضر الدولي.فرغم أن قابلية الهيدروجين منزوع الكربون للنقل عبر الناقلات البحرية العملاقة تعد ميزة أساسية لهذا النوع من الطاقة النظيفة، غير أنّ التكاليف الضخمة لعمليات تبريد الهيدروجين -مقارنة بتكاليف تبريد الغاز الطبيعي- تحد حاليّاً من فرص توسُّع وازدهار تجارته العالمية، وتخفّض كذلك من توقعات المستقبل لهذه التجارة، التي تصل في بعض التقديرات لنحو 400 مليون طن متري فقط في عام 2050. وحري بالتأكيد هنا أن خلافاً جوهريّاً يجب الوقوف عليه بين شبكتي النقل الدولي للطاقة الأحفورية والهيدروجين الأخضر.

فبينما رسمت الهبات الطبيعية والعوامل الجغرافية شكل الخريطة الأولى، فإن لتطور التكنولوجيا وتوافر التمويل الكلمة الأخيرة في رسم الأبعاد المستقبلية للخريطة الثانية. ومن ذلك نفهم اجتهاد دولة كاليابان في تطوير تقنيات الشحن البحري لتحقيق التنافسية في قطاع الناقلات العملاقة المتوائمة مع الطبيعة الخاصة للهيدروجين الأخضر، كي تحجز لنفسها مكانة رائدة في سلسلة القيمة العالمية لهذا النوع من طاقة المستقبل.

وعموماً، وفي حال استمرت قيود الشحن البحري للهيدروجين الأخضر على حالها تلك، فإن خريطة ازدهاره العالمية ستتحدد بأن يُستهلك كوقود بالقرب من أماكن إنتاجه.

ولما كان إنتاج هذا الهيدروجين ينمو ويزدهر فقط في الدول التي تمتلك موارد مالية كافية وشواطئ بحرية ممتدة وقدرات معقولة من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، فمن الطبيعي أن تتمتع أقاليم جغرافية محددة بريادة دولية في طاقة الهيدروجين، والخبر الجيد في هذا السياق هو أن منطقة الخليج العربي الرائدة دوليّاً في سوق الطاقة الأحفورية تمتلك الريادة والتنافسية في الخريطة المستقبلية لسوق الهيدروجين الأخضر، إنتاجاً واستهلاكاً وتصديراً، يعززها في ذلك ويزيدها ازدهاراً أن الجهود المناخية الإماراتية الرائدة عالميّاً تجلت في استضافة نسخة يتوقع أن تكون استثنائية لقمة «كوب 28» أواخر العام الحالي.

*باحث في إدارة الباروميتر العالمي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات